السبت، 28 مايو 2016

استثقاف


رغم أنها تسمى أم 44 فلا يوجد من بين أنواع هذه الحشرة نوع بهذا العدد من الأقدام ، وفي عام 44 ق.م اغتيل يوليوس قيصر وهو يصيح (حتى أنت يا بروتوس) ، وبروتوس اسم من أصل لاتيني يعني المغفل ، أما (أخبار الحمقى والمغفلين) فهو كتاب من تأليف ابن الجوزي ، وفي أمثال العرب (أحمق من نعامة) لأنها تضيّع بيضها ، وعن البيض فهناك حيوانان ثدييان وحيدان يبيضان ويرضعان صغارهما هما منقار البط وآكل النمل ، أما النملة فهي تفرز حمض سمي باسمها (حمض النمليك) وذلك لتحسن العودة إلى جحرها ، والأحماض عموما هي التي يزيد تركيز أيونات الهيدرونيوم بها عن مقلوب 10 مليون مول لكل لتر ، والهيدرونيوم هو الأيون الناتج عن ارتباط بروتون بجزيء الماء ، ورأى الفيلسوف طاليس في الماء الأصل الذي كان منه كل شيء ، أما أتباع المدرسة الفيثاغورية فيعتبرون العدد أصلا للموجودات ، وفيثاغورس الذي تنسب له هذه المدرسة قام بإغراق تلميذه عقابا له لأنه خالفه في قضية الأعداد النسبية ، وخلاف المعلم وتلميذه حدث أيضا بين الموصلي وتلميذه زرياب الذي هدّد بالقتل أو الرحيل ، والزرياب هواسم لطائر مغرد أسود الريش ، والغراب طائر أسود هو الآخر أرسله النبي نوح للاستطلاع بعد الطوفان وهو الذي بدا لقابيل بعد أن قتل أخاه ، ومما يقال أن قابيل قتل هابيل بفك حمار ، وعن الحمار فقد سقى الفيلسوف خريسبوس حماره الخمر حتى الثمالة ثم جعله يأكل التين فضحك مما حدث لحماره حتى مات ، والتين هي الشجرة التي استنار تحتها بوذا.

الأربعاء، 6 يناير 2016

العظماء المائة : صيد في الماء العكر

قام مايكل هارت عام 1978م بتأليف كتاب ضمن فيه 100 شخصية تاريخية على مر العصور ، حسب تأثيرهم على ركب البشرية بالسلب أو بالإيجاب ، وفي الحقيقة أن هذا الكتاب فيه قدر من التنوع في اختيار الشخوص بالنسبة لخلفياتهم الدينية والدور الذي خلف ذكرهم من بعدهم ، وقد تضمن الكتاب شخصيتين إسلاميتين هما النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ينشر جهاد الترباني في عام 2010م كتاب مائة من عظماء أمة الإسلام، ولقد دأبت على مهاجمة هذا الكتاب بشكل متقطع منذ معرفتي به ، فهو بغاية السطحية والسذاجة وإن ادعى صاحبه أنه انتصار للإسلام ورافع للمستوى المعرفي للمسلمين الذين غرهم كتاب مؤلف يهودي ، اعتدت الاختصار وسألخص بعض مآخذي عليه في نقاط
·       إن منهجية هذا الكتاب بغاية التخبط ، فلأول وهلة تظن أن الكتاب يتحدث عن عظماء مائة ، بينما هو فضفضاض جدا في الشخوص المختارة ، وهذا وجدته في 11 عنوان عام لا يعرف كم شخصًا يضم وهي : الصحابة ، الأمازيغ ، بنو أمية ، الهنود الحمر ، مؤمنو الفرس ، الأنصار ، أسود القادسية ، العرب ، شعراء الرسول ، العثمانيون الجدد ، جيل الصحوة ، وهذه العناوين سطحية تتقاطع مع بعضها البعض ، ستجد مثلا مقاتلا في القادسية وهو عربي صحابي أنصاري ، فضلا عن العناوين التي ضمت عدة أشخاص معروف عددهم وهم : الفرسان الثلاثة ، البدريون ، العبادلة الأربعة ، الاخوان بربروسا ، كل هذا يجعلك تصاب بإحباط حتى آخر صفحة ، حين يوصلك كما يزعم للعظيم المائة الذي لا يعرفه هو أصلا.
·       وقد تفنن في ذكر شخصيات يزعم أنها مسلمة رغم أنه لا يوجد دليل ملموس على إسلامها كأبراهام لينكولن وآريوس وزهير بن أبي سلمى وزيد بن عمرو ، فضلا عن شخصوص جاءت قبل الإسلام رغم اتفاق الجميع معه أنها مؤمنة بالله تعالى والطريف أن جميع من ذكرهن فيما يخص هذه النقطة كن نساء وهن : هاجر ، آسية بنت مزاحم ، مريم بنت عمران ، ماشطة فرعون ، وبذلك ضمت هذه النقطة والتي قبلها 24 اسما ما يقارب ربع شخصيات الكتاب ، وكأن الأمة الإسلامية بخلت بانتاج عظماء خلال 15 قرنًا.
·       كمبدأ إسلامي لا نشكك في قدر الصحابة ومكانتهم العظيمة ، لكن اختياره 29 اسمًا من الصحابة بعد أن وضع لهم عناوين فضفاضة كما في النقطة الأولى يبدو كارثة تنظيمية في كتابه ، فضلا عن تضييق اختيار الشخوص في فترة القرن السابع ، فبجانبهم نجد تابعي كالنجاشي وصغاطر وغلام استشهد في اليرموك لا يعرف أحد اسمه ، وهؤلاء الثلاثة ينتمون للقرن السابع الميلادي أيضا.
·       الغريب في هذا الكتاب أنه اختار من الخلفاء الأمويين معاوية ويزيد ، رغم أن الأخير يجد عدم تقبل من معظم المذاهب الإسلامية من ضمنها مذاهب سنية ، ومن ضمن جميع الصحابة الذين ذكرهم فإنه لم يترض في عنونة أحد إلا لأبي سفيان ، وكأنه أراد من كتابه أن يكون هجمة للمذاهب الأخرى التي لا تتفق مع الشخصيات التي يؤمن بقداستها ، وعودة للخلفاء الأمويين فيبدو من الغرابة بمكان أن يغفل هذا المؤلف شخصيات براقة في صدر الدولة الأموية وهو الذي يظهر فيه ميله الكبير إليها كـ عبدالملك بن مروان وعمر بن عبدالعزيز ، كما أنه اكتفى بهارون الرشيد من الخلفاء العباسيين ، واختار 5 خلفاء عثمانيين هم : سليم الأول ، سليمان القانوني ، محمد الفاتح ، مراد الثاني ، عبدالحميد الثاني.
·       يبدو أن الكاتب لم يجد إلا عالما مسلما واحدا في العلوم التجريبية هو ثابت بن قرة ، بينما خصص الحيز الباقي لشخصيات تبدو دينية بحتة أو سياسية إذا ما استثنينا ابن فضلان وبييري ريس.
·       هذا الكاتب إن كان له ما يميزه فهو الأسلوب الفظ الذي ربما اعتبره البعض مشوقا ، فهو يقزم من ثقافة القارئ كما أنه يظهر تصريحات غير محسوبة كأن يقول أن سيذكر في هذا الكتاب عن معلومات تكشف لأول مرة ! وهذه تهمة لكتابة لا مدح ، لكونه كتابا يتناول شخوصا لم يعاصرها .
·       يحتوي الكتاب على معلومات مغلوطة ، لم يتسنَ لي حصرها كأن ينسب عمرو بن العاص لبني أمية بينما هو سهمي لا أموي ، فضلا عن وصفه له بأنه فاتح عمان ، وهو ليس إلا رسولا من النبي الكريم.

الأربعاء، 13 مايو 2015

استثقاف


قالب طرح المعلومات الذي أفضله ، ويعجبني نشر المعلومات عليه هو قالب الربط ، ويحضرني قصة محمد عبده حين سافر إلى فرنسا على متن السفينة (كوك) ، فسأله مستشرق إن كان القرآن لم يفرط في شيء – كما يزعم – فأين ذكر اسم هذه السفينة فيه ؟ وبقوة استحضار موفقة منه أجابه "وتر(كوك) قائمًا" على سبيل الملاطفة.

وعلى ذكر الـ(كوك) فهو يعني الديك في اللغة الإنجليزية ، ومنه جاءت تسمية شراب الكوكتيل (cocktail) بمعنى ذيل الديك لتشابه الشراب معه في تعدد النكهات والألوان ، ويكني العرب الديك بأبي سليمان ، وهي كنية الصحابي خالد بن الوليد ، أما عمه فيكنى بأبي جهل وهي كنية النمر.

الطريف أن الحيوان الذي يعرفه الناس بـ(النمر) هو الببر ، الببر باللغة الهندية يسمى (شيري) ، ومنه جاءت تسمية عدو ماوكلي اللدود (شيري خان) أي زعيم الببر ، كما أن (شيري) اسم نبيذ أسباني ، ويقال أن اسم أسبانيا قادم من اللغة الفينيقية بمعنى أرض الأرانب.

ومن تكاثر الأرانب قام العالم الإيطالي فيبوناتشي ببناء متسلسلته الشهيرة ، وقسمة كل عدد بما قبله في هذه المتسلسلة يعطي النسبة الذهبية المعروفة في التصميم ، وعلى ذكر الذهب ففي منتصف القرن 15 توهم كيميائي أنه توصل لطريقة صنع الذهب بخلط صفار البيض بالزيتون والكبريتات فنتج عن هذا الخليط تسمم خنازيره .

وأعدم خنزير على الملأ في فرنسا القرن 14 بتهمة قتل طفل ، وعلى ذكر الأطفال فقد كان أهل المكسيك يعجنون تماثيلًا خلطت بدماء الأطفال ، من منطلق إيمان الإنسان القديم أن قوة الشيء تنتقل إليه حالما يأكله.


والحديث ذو شجون
(تمت) 

الخميس، 11 سبتمبر 2014

المهارات وصناعة التغيير

** عن عرض قدمته وقمت بتفريغه هنا كتدوينة


مرحبًا بالجميع
شرف لي أن أقف أمامكم لأشارككم أفكاري حول (المهارات الشخصية والتغيير)
ربما ليس لدي قدر كبير من الأجندة لأستعرضها
كل ما سأتحدث عنه سيكون عن العلاقة بين المهارات الشخصية والتغيير
وسأضرب لاحقًا بعض الأمثلة التاريخية على هذه العلاقة الذهبية
ربما سأذكر في هذا العرض الكثير من المعلومات المملة
أرجو أن تأخذوا راحتكم في الاستماع أو دونه

في البداية أحب أن أشبه العلاقة بين التغيير والمهارات الشخصية بالعلاقة بين الحصان والرجل الذي يقوده ، كما أنني أؤمن أن مهاراتنا الشخصية طاقة كامنة تتحول إلى تغيير ما إن تحرر ، وكلما قرأت أكثر كنت أجد أن التغيير الذي أحدث في العالم كان يبدأ عادة بشخص واحد آمن بنفسه ونقل العالم للأفضل ، حين لم ينتظر شخصًا آخر ليفعل ذلك ، آمن بنفسه وحسب.

قد تسألني كيف يمكنني أن أصنع التغيير الذي أريده في العالم ، صدقني بإمكانك أن تصنعه بدون أن تسمع ، ولتجعل العالم هو من ينصت لك ، بيتهوفن كان أصمًا إلا أن وضع عصًا بين رأسه والبيانو ، ومن خلال اهتزازات العصا استطاع أن يقدم لنا ثلة من السيمفونيات المدهشة ، كما أنك تستطيع صنع التغيير بدون أن تتكلم ، ودع العالم هو من يتحدث عنك ، تشارلي تشابلن فعلها في أفلامه الكوميدية الصامتة ، كما أننا نستطيع أن نحارب العالم بطرقنا السلمية ، وهو ما فعله غاندي حين صام 17 مرة على فترات مختلفة من حياته لينقل الهند إلى الاستقلال من بريطانيا .
لديك حياة واحدة لكنك تستطيع صنع الكثير فيها ، بيليه مثلًا استطاع أن يحرز أكثر من 1000 هدف في المستطيل الأخضر كلاعب كرة قدم ، ودافنشي – أي رجل مبدع كان ! – اخترع أكثر من 40 آلة ابتداء بالمقص وانتهاء بتصميم الطائرة.

صدقني لو كان لديك مهارات شخصية جيدة ستغطي على جانبك السيء إن وجد ، جميعكم مثلًا يعرف أرسطو كفيلسوف يوناني عظيم ، لكن ربما لا يعرف أحدكم عن نظرياته المجنونة ، فقد اعتقد مثلًا أن أسنان المرأة أقل من أسنان الرجل ، لكن محاسنه طغت على مساوئه ، على جانب آخر ينبغي أن نركز على أهدافنا ونؤمن بنا لنحققها ، ذات يوم من العصور القديمة أراد جندي روماني قتل أرخميدس ، في الوقت الذي كان فيه أرخميدس منشغلًا برسم دائرة ، فقال للجندي "دعني أكمل دائرتي ، واقتلني بعدها إن شئت".

ربما ليس لدي الكثير من الوقت ، لكنني أحب أن أختم باقتباسي المفضل من مسرحية هاملت لشكسبير "أكون أو لا أكون .. هذا هو السؤال"

شكرا ،،، 

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

سقع الديك؟


كثير من القراء العاديين وأنا منهم نشعر بالغثيان من الاستعراض اللغوي في الكثير من المقالات ، بالتأكيد أن الأحاديث الأدبية من لوازمها اللياقة اللغوية ، حتى أن رجلًا أراد تحدي سيبويه ، وحين طرق باب بيته خرجت له جاريته فقالت له حين سأل عنه : "فاء إلى الفيافي ليفيء لنا بفيء فإذا فاء الفيء فاء" ، فأدرك في نفسه إن كانت جاريته بهذا المستوى فإن الهروب نصف المرجلة كما يقولون، لكنني أتحدث عن المقالات العامة والتي تناقش قضايا المجتمع ، إيصال فكرة للناس قد ينقّط بكلمات يسيرة من مجموعة (السيميائية والبيروقراطية والسيكولوجيا) وهذا يدفع لتثقيف القارئ ، لكن إمطار القارئ بهذه المصطلحات سيغرقه ويقرفه مما يقرأ.

على جانب آخر ، كثيرون يستفزون من اللغة الخشبية التي تبدو أنها لم تبتلع روح العصر ، وربما هذا ما دعا الشاعر كامل شناوي أن يلصق بمجمع اللغة العربية –رغم نفي الأخير لذلك- إشاعة أنهم عربوا (الساندويتش) بـ (الشاطر والمشطور بينهما كامخ) ، وأتفهم هذا الموقف المناهض كثيرًا فإذا كانت ضريبة محافظتنا على قداسة اللغة صافية نقية سيجمد مرونة تعاملاتنا فهذا سيجعل الناشئة ينفرون منها ، ولي أن أستطرف بالنحوي الذي سأل غلامه (أصقعت العتاريف؟) وبالتأكيد أن غلامه لم يفهمه فأجابه بكلمة من خياله : قزفيلم ، وحين سأله معلمه عن معناها طلب من معلمه تفسير سؤاله أولًا ، فأخبره أنه عنى "أصاحت الديكة؟" ، وفي هذه اللحظة استغل الغلام الموقف ليلوي عنق كلمة "قزفيلم" أنها صاحت ، ولو وُضعتُ في ذات الموقف ربما سأسأل بلغتي الدارجة "سقع الديك وابعده؟".

السبت، 16 أغسطس 2014

إشاعة باسم الدين

غيري وأنا من شباب الألفية الثالثة محتاجون لخطاب ديني يتواءم مع تطلعاتنا ونظرتنا العصرية للحياة ، لكن السعي لعصرنة الخطاب جعل بعض الدعاة وطلاب العلم الشرعي يقعون في ورطة الترويج لإشاعات كاذبة ، فارتباطها  بعلوم العصر أكثر من العلوم الشرعية جعلهم يصدقونها بحسن نية ، وينشرونها في وسائل التواصل المختلفة ، ومن تحدث في غير علمه قال العجائب.

كان الخطاب الديني قبل سنين في مرحلة ترهيب المستمع ، كل ما كنا نسمعه حكايات تروى في مغاسل الموتى ، وحال القبور ، وأحاديث عن حسن الخاتمة ، وهذه القصص لم تكن قابلة للأخذ والرد لأنها تتحدث عادة عن موقف فردي لشخص شهد على الحادثة ربما لا نعرفه ، هذا الخطاب كان يثير خوفنا لأيام فنصاب بالتزام مفرط لحظي ثم ننسى.

ظهر بعدها خطاب يمزج بين الخرافة والعصرية ، وهو الذي روج فيه عن أشخاص تحولوا لمخلوقات ممسوخة وحيوانات لأنهم خالفوا التعاليم الدينية ، أو كحال الرسام الدنماركي صاحب الرسوم المسيئة الذي يقال أنه احترق ، ومن هنا بدأنا نشكك في كل ما يقال لنا لأن هذه المنهجية أتاحت لنا التأكد من الوسائط المرفقة بالقضية ، مثلا صورة فتاة ممسوخة ظهر أنها تمثال في معرض فني ، وهكذا ..


المرحلة الرائجة الآن بكثرة هي الإعجاز العلمي وماذا قال الغرب عن الإسلام ، نجد مثلًا صور جثث عملاقة قيل تعود لقوم عاد وبالطبع نالت تقبل العامة ، وإشاعات كثيرة لا مجال لذكرها ، ونجد أقوالًا ملفقة لغربيين يشيدون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كمقولة برناردشو وفنجان القهوة الشهيرة المنسوبة لكتاب غير موجود ، وإن كان قد ذكره في بعض مسرحياته فهي قد لا تنم عن رؤاه الحقيقية ، وعلى كل لسنا بحاجة لمشاهير يشيدون بديننا ، ما فائدة ذلك إن كانت إشاداتهم لم توصلهم لأن يسلموا ؟  

الاثنين، 11 أغسطس 2014

حقيقة .. ربما

أثق جدًا أن الحقيقة أمر بغاية الصفاء ، لكنني ربما لن أواصل مجاملتها لأصفها باللذيذة ، فهي التي أراد عنترة أن يستلذها بعزة رغم مرارتها (بل فاسقني بالعز كأس الحنظل) ، نحن كائنات لا تستطيع استساغة طعم بهذا التركيز في شربة واحدة ، ربما نحتاج لمزيد من الزمن لنصل إلى كنهها ، الحقيقة نور محض يعمي الناظر إليه ، وطاقة كهربية سنصعق منها إن جرت على أسلاكنا العصبية.

آمن الإنسان القديم أن قوة ما يأكله ستنتقل إليه ، لذا وصل به الطموح لأن يحاول التهام الرب ، وحين عجز عن ذلك صنع التماثيل على هيئة الرب التي يراها ، كصنم التمر الذي أكله عمر ربما ، أو كالآلهة المكسيكية التي صنعت عجينتها قبل التهامها من الدقيق ودماء أطفال ضحي بهم ، ربما سيتحول الإنسان إلى كائن بهذه الوحشية للحصول على القدرات الخفية التي توصله للحقيقة ، هو يفعل كل شيء ليصل للحقيقة قبل أن يموت ، ربما نحن نحاول الحصول على قدرة الرب أيضًا في الحكم على الناس ، أو على الأقل نحن نحاول أن نكون قضاة نصدر أحكامنا عليهم ثم لا نسمح لأحدهم بمناقشتنا بعد أن نضرب بمطرقتنا الخشبية .

الحقيقة ليست ما نتوقع ، فنحن نعيش في عالم لا يديره الفلاسفة ولا حتى السوقيون ، وربما أن هذا التنوع هو ما جعل الحياة غير مملولة الأحداث وإن كانت قاسية ، في الأساطير الهندية أحب فتاة ثلاثة رجال إلا أنها ماتت قبل الارتباط بأحدهم ، لازم الأول قبرها يبكي عليها عنده ، أما الثاني فاعتنى بوالدها وقام على خدمته ، الثالث مضى في الأرض وأتى لها بدواء بعثها من جديد ، وحين بُعثت سُئلت من تتزوج ؟ ، ما تراه حقيقة هو زواجها بمن عمل على بعثها ، إلا أنها قالت أن تصرف الثاني كان كأخ والثالث تصرفه كحكيم ، إلا أن الذي لازم قبرها هو من تريد أن تتزوج به فهو الوحيد الذي تصرف كعاشق !


"إن الذي جعل الحقيقة علقمًا = لم يخل من أهل الحقيقة جيلا"