الأربعاء، 20 أغسطس 2014

سقع الديك؟


كثير من القراء العاديين وأنا منهم نشعر بالغثيان من الاستعراض اللغوي في الكثير من المقالات ، بالتأكيد أن الأحاديث الأدبية من لوازمها اللياقة اللغوية ، حتى أن رجلًا أراد تحدي سيبويه ، وحين طرق باب بيته خرجت له جاريته فقالت له حين سأل عنه : "فاء إلى الفيافي ليفيء لنا بفيء فإذا فاء الفيء فاء" ، فأدرك في نفسه إن كانت جاريته بهذا المستوى فإن الهروب نصف المرجلة كما يقولون، لكنني أتحدث عن المقالات العامة والتي تناقش قضايا المجتمع ، إيصال فكرة للناس قد ينقّط بكلمات يسيرة من مجموعة (السيميائية والبيروقراطية والسيكولوجيا) وهذا يدفع لتثقيف القارئ ، لكن إمطار القارئ بهذه المصطلحات سيغرقه ويقرفه مما يقرأ.

على جانب آخر ، كثيرون يستفزون من اللغة الخشبية التي تبدو أنها لم تبتلع روح العصر ، وربما هذا ما دعا الشاعر كامل شناوي أن يلصق بمجمع اللغة العربية –رغم نفي الأخير لذلك- إشاعة أنهم عربوا (الساندويتش) بـ (الشاطر والمشطور بينهما كامخ) ، وأتفهم هذا الموقف المناهض كثيرًا فإذا كانت ضريبة محافظتنا على قداسة اللغة صافية نقية سيجمد مرونة تعاملاتنا فهذا سيجعل الناشئة ينفرون منها ، ولي أن أستطرف بالنحوي الذي سأل غلامه (أصقعت العتاريف؟) وبالتأكيد أن غلامه لم يفهمه فأجابه بكلمة من خياله : قزفيلم ، وحين سأله معلمه عن معناها طلب من معلمه تفسير سؤاله أولًا ، فأخبره أنه عنى "أصاحت الديكة؟" ، وفي هذه اللحظة استغل الغلام الموقف ليلوي عنق كلمة "قزفيلم" أنها صاحت ، ولو وُضعتُ في ذات الموقف ربما سأسأل بلغتي الدارجة "سقع الديك وابعده؟".

السبت، 16 أغسطس 2014

إشاعة باسم الدين

غيري وأنا من شباب الألفية الثالثة محتاجون لخطاب ديني يتواءم مع تطلعاتنا ونظرتنا العصرية للحياة ، لكن السعي لعصرنة الخطاب جعل بعض الدعاة وطلاب العلم الشرعي يقعون في ورطة الترويج لإشاعات كاذبة ، فارتباطها  بعلوم العصر أكثر من العلوم الشرعية جعلهم يصدقونها بحسن نية ، وينشرونها في وسائل التواصل المختلفة ، ومن تحدث في غير علمه قال العجائب.

كان الخطاب الديني قبل سنين في مرحلة ترهيب المستمع ، كل ما كنا نسمعه حكايات تروى في مغاسل الموتى ، وحال القبور ، وأحاديث عن حسن الخاتمة ، وهذه القصص لم تكن قابلة للأخذ والرد لأنها تتحدث عادة عن موقف فردي لشخص شهد على الحادثة ربما لا نعرفه ، هذا الخطاب كان يثير خوفنا لأيام فنصاب بالتزام مفرط لحظي ثم ننسى.

ظهر بعدها خطاب يمزج بين الخرافة والعصرية ، وهو الذي روج فيه عن أشخاص تحولوا لمخلوقات ممسوخة وحيوانات لأنهم خالفوا التعاليم الدينية ، أو كحال الرسام الدنماركي صاحب الرسوم المسيئة الذي يقال أنه احترق ، ومن هنا بدأنا نشكك في كل ما يقال لنا لأن هذه المنهجية أتاحت لنا التأكد من الوسائط المرفقة بالقضية ، مثلا صورة فتاة ممسوخة ظهر أنها تمثال في معرض فني ، وهكذا ..


المرحلة الرائجة الآن بكثرة هي الإعجاز العلمي وماذا قال الغرب عن الإسلام ، نجد مثلًا صور جثث عملاقة قيل تعود لقوم عاد وبالطبع نالت تقبل العامة ، وإشاعات كثيرة لا مجال لذكرها ، ونجد أقوالًا ملفقة لغربيين يشيدون بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم كمقولة برناردشو وفنجان القهوة الشهيرة المنسوبة لكتاب غير موجود ، وإن كان قد ذكره في بعض مسرحياته فهي قد لا تنم عن رؤاه الحقيقية ، وعلى كل لسنا بحاجة لمشاهير يشيدون بديننا ، ما فائدة ذلك إن كانت إشاداتهم لم توصلهم لأن يسلموا ؟  

الاثنين، 11 أغسطس 2014

حقيقة .. ربما

أثق جدًا أن الحقيقة أمر بغاية الصفاء ، لكنني ربما لن أواصل مجاملتها لأصفها باللذيذة ، فهي التي أراد عنترة أن يستلذها بعزة رغم مرارتها (بل فاسقني بالعز كأس الحنظل) ، نحن كائنات لا تستطيع استساغة طعم بهذا التركيز في شربة واحدة ، ربما نحتاج لمزيد من الزمن لنصل إلى كنهها ، الحقيقة نور محض يعمي الناظر إليه ، وطاقة كهربية سنصعق منها إن جرت على أسلاكنا العصبية.

آمن الإنسان القديم أن قوة ما يأكله ستنتقل إليه ، لذا وصل به الطموح لأن يحاول التهام الرب ، وحين عجز عن ذلك صنع التماثيل على هيئة الرب التي يراها ، كصنم التمر الذي أكله عمر ربما ، أو كالآلهة المكسيكية التي صنعت عجينتها قبل التهامها من الدقيق ودماء أطفال ضحي بهم ، ربما سيتحول الإنسان إلى كائن بهذه الوحشية للحصول على القدرات الخفية التي توصله للحقيقة ، هو يفعل كل شيء ليصل للحقيقة قبل أن يموت ، ربما نحن نحاول الحصول على قدرة الرب أيضًا في الحكم على الناس ، أو على الأقل نحن نحاول أن نكون قضاة نصدر أحكامنا عليهم ثم لا نسمح لأحدهم بمناقشتنا بعد أن نضرب بمطرقتنا الخشبية .

الحقيقة ليست ما نتوقع ، فنحن نعيش في عالم لا يديره الفلاسفة ولا حتى السوقيون ، وربما أن هذا التنوع هو ما جعل الحياة غير مملولة الأحداث وإن كانت قاسية ، في الأساطير الهندية أحب فتاة ثلاثة رجال إلا أنها ماتت قبل الارتباط بأحدهم ، لازم الأول قبرها يبكي عليها عنده ، أما الثاني فاعتنى بوالدها وقام على خدمته ، الثالث مضى في الأرض وأتى لها بدواء بعثها من جديد ، وحين بُعثت سُئلت من تتزوج ؟ ، ما تراه حقيقة هو زواجها بمن عمل على بعثها ، إلا أنها قالت أن تصرف الثاني كان كأخ والثالث تصرفه كحكيم ، إلا أن الذي لازم قبرها هو من تريد أن تتزوج به فهو الوحيد الذي تصرف كعاشق !


"إن الذي جعل الحقيقة علقمًا = لم يخل من أهل الحقيقة جيلا"