كثير من القراء العاديين
وأنا منهم نشعر بالغثيان من الاستعراض اللغوي في الكثير من المقالات ، بالتأكيد أن
الأحاديث الأدبية من لوازمها اللياقة اللغوية ، حتى أن رجلًا أراد تحدي سيبويه ، وحين
طرق باب بيته خرجت له جاريته فقالت له حين سأل عنه : "فاء إلى الفيافي ليفيء لنا
بفيء فإذا فاء الفيء فاء" ، فأدرك في نفسه إن كانت جاريته بهذا المستوى فإن الهروب
نصف المرجلة كما يقولون، لكنني أتحدث عن المقالات العامة والتي تناقش قضايا المجتمع
، إيصال فكرة للناس قد ينقّط بكلمات يسيرة من مجموعة (السيميائية والبيروقراطية والسيكولوجيا)
وهذا يدفع لتثقيف القارئ ، لكن إمطار القارئ بهذه المصطلحات سيغرقه ويقرفه مما يقرأ.
على جانب آخر ، كثيرون يستفزون
من اللغة الخشبية التي تبدو أنها لم تبتلع روح العصر ، وربما هذا ما دعا الشاعر كامل
شناوي أن يلصق بمجمع اللغة العربية –رغم نفي الأخير لذلك- إشاعة أنهم عربوا (الساندويتش)
بـ (الشاطر والمشطور بينهما كامخ) ، وأتفهم هذا الموقف المناهض كثيرًا فإذا كانت ضريبة
محافظتنا على قداسة اللغة صافية نقية سيجمد مرونة تعاملاتنا فهذا سيجعل الناشئة ينفرون
منها ، ولي أن أستطرف بالنحوي الذي سأل غلامه (أصقعت العتاريف؟) وبالتأكيد أن غلامه
لم يفهمه فأجابه بكلمة من خياله : قزفيلم ، وحين سأله معلمه عن معناها طلب من معلمه
تفسير سؤاله أولًا ، فأخبره أنه عنى "أصاحت الديكة؟" ، وفي هذه اللحظة استغل
الغلام الموقف ليلوي عنق كلمة "قزفيلم" أنها صاحت ، ولو وُضعتُ في ذات الموقف
ربما سأسأل بلغتي الدارجة "سقع الديك وابعده؟".