تعد المعرفة من أبرز التعاليم التي دعت إليها الشرائع السماوية عبر العصور، كيف لا؟ .. وهي الأداة التي تساعد المرء على التفرقة بين الخير والشر كما يراها الفيلسوف اليوناني أفلاطون ، وذلك مطلب يكفل للمرء التعايش الاجتماعي الأرقى في حياته الدنيوية والفوز برضا ربه في الحياة الآخرة ، ربما أجد أن المعرفة تكسب المرء قدرًا كبيرًا من الفرص والخيارات لتخطي الإشكالات المختلفة التي قد يتعرض لها ، ولعل ذلك يشبه إلى حد كبير قدرة طائر يدعى الطنّان على أن يتميز على باقي الطيور في أنه يستطيع الطيران على وضعيات مختلفة للأعلى تارة وللأمام تارة وعلى الجانبين تارة أخرى ، ومنه فالمعرفة وضعيات مختلفة من التفكير تكفل لنا صهر جميع الخيارات المتاحة في مصب واحد هو بوتقة الخيارات السليمة.
يذكر أن الملك إدوارد السابع كان يزن ضيوفه ليعلم إن كانوا قد أكلوا
بشكل جيّد أم لا ، الأمر ذاته ينبغي أن نطبقه على حصيلتنا المعرفية ، يجب أن نضع
لأنفسنا فترة زمنية لنحصي بعدها الكم المعرفي الذي أضفناه إلى معرفتنا السابقة ،
وحقيقة الأمر أن التراكم المعرفي ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة ناجعة لإصلاح
الواقع الحياتي الذي نعيشه، فيلزمنا أن لا نجعل المعرفة رهينة إطار نظري جاف ،
فنحن لا شك في أمس الحاجة لتحريرها إلى أمر محسوس ومفيد للنسق الحضاري الذي نعيش
ضمنه ، يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ)، فالتطبيق الناجح سيكون بالضرورة انعكاسًا لرصيد معرفي جيّد يقود من
بعدها إلى قفزات نوعية على مختلف الأصعدة.
يبقى أن المعرفة سلاح يمكّن صاحبه من إفادة نفسه ومساعدة غيره أيضًا
، ومن المثير للشفقة أنه في عام 1941م ألقت سفينة أمريكية رسالة في عرض البحر داخل
زجاجة ، ظلت تلك الزجاجة تعوم في البحر حتى وقعت بين يدي رجل بدائي على شاطئ
دفعتها الظروف إليه ، لم يستطع ذلك الرجل فهم مضمون الرسالة رغم أنها كتبت بثمان
لغات ، وكانت حظوظ معرفة محتوى الرسالة أكبر فيما لو وقعت بين يدي أي متعلم يعطيه
، والمعرفة لا شك أنها تؤمن لصاحبها كيانًا واضحًا يجعله يضيف لركب التقدم البشري
وعلى أقل تقدير فهيتجنبهمغبّة كونه عالة على مجتمعه على كل حال، والقرارات الناجحة
بالضرورة لا يمكننا أن نتخذها إن لم تنبني على أساس معرفي جيد ، وإن كانت بعض
القرارات المفتقدة للمعرفة قد أفاد منها بعض الذين استهدفوا بها ، كما هو الحال
عند من حكم عليهم بالإعدام في عهد الملك جوستاف الثالث ، فقد فرض على المراد
إعدامهم شرب كميات كبيرة من القهوة .. فقط لأنه كان يعتقد أن القهوة مادة سامة !! .
17/1/2013 م
09:27 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق